الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **
*3* الشرح: قوله: (باب صلاة التطوع من الدابة) في رواية كريمة وأبي الوقت " على الدواب " بصيغة الجمع، قال ابن رشيد: أورد فيه الصلاة على الراحلة فيمكن أن يكون ترجم بأعم ليلحق الحكم بالقياس، ويمكن أن يستفاد ذلك من إطلاق حديث جابر المذكور في الباب ا ه. وقد تقدم في أبواب الوتر قول الزين ابن المنير: إنه ترجم بالدابة تنبيها على أن فرق بينها وبين البعير في الحكم إلى آخر كلامه، وأشرنا هناك إلى ما ورد هنا بعد باب بلفظ " الدابة". الحديث: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى قَالَ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ الشرح: قوله: (حدثنا عبد الأعلى) هو ابن عبد الأعلى. قوله: (عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه) هو العنزي بفتح المهملة والنون بعدها زاي حليف آل الخطاب، كان من المهاجربن الأولين، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في الجنائز وآخر علقه في الصيام. وفي رواية عقيل عن ابن شهاب الآتية بعد باب أن عامر بن ربيعة أخبره. قوله: (يصلي على راحلته) بين في رواية عقيل أن ذلك في غير المكتوبة، وسيأتي بعد باب، وكذا لمسلم من رواية يونس عن ابن شهاب بلفظ " السبحة". قوله: (حيث توجهت به) هو أعم من قول جابر " في غير القبلة " قال ابن التين: قوله " حيث توجهت به " مفهومه أنه يجلس عليها على هيئته التي يركبها عليها ويستقبل بوجهه ما استقبلته الراحلة، فتقديره يصلي على راحلته التي له حيث توجهت به، فعلى هذا يتعلق قوله " توجهت به " بقوله " يصلي"، ويحتمل أن يتعلق بقوله " على راحلته"، لكن يؤيد الأول الرواية الآتية يعني رواية عقيل عن ابن شهاب بلفظ " وهو على الراحلة يسبح قبل أي وجه توجهت". الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي التَّطَوُّعَ وَهُوَ رَاكِبٌ فِي غَيْرِ الْقِبْلَةِ الشرح: قوله: (حدثنا شيبان) هو النحوي، ويحيى هو ابن أبي كثير، ومحمد بن عبد الرحمن هو ابن ثوبان كما سنبينه بعد باب. قوله: (وهو راكب) في الرواية الآتية " على راحلته نحو المشرق " وزاد " وإذا أراد أن يصلي المكتوبة نزل فاستقبل القبلة". وبين في المغازي من طريق عثمان بن عبد الله بن سراقة عن جابر أن ذلك كان في غزوة أنمار، وكان أرضهم قبل المشرق لمن يخرج من المدينة، فتكون القبلة على يسار القاصد إليهم. وزاد الترمذي من طريق أبي الزبير عن جابر بلفظ " فجئت وهو يصلي على راحلته نحو المشرق السجود أخفض من الركوع". الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ قَالَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ وَيُوتِرُ عَلَيْهَا وَيُخْبِرُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُهُ الشرح: قوله: (كان ابن عمر يصلي على راحلته) يعني في السفر، وصرح به في حديث الباب الذي بعده. قوله: (ويوتر عليها) لا يعارض ما رواه أحمد بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير " أن ابن عمر كان يصلي على الراحلة تطوعا، فإذا أراد أن يوتر نزل فأوتر على الأرض " لأنه محمول على أنه فعل كلا من الأمرين، ويؤيد رواية الباب ما تقدم في أبواب الوتر أنه أنكر على سعيد بن يسار نزوله الأرض ليوتر، وإنما أنكر عليه - مع كونه كان يفعله - لأنه أراد أن يبين له أن النزول بحتم، ويحتمل أن يتنزل فعل ابن عمر على حالين: فحيث أوتر على الراحلة كان مجدا في السير، وحيث نزل فأوتر على الأرض كان بخلاف ذلك. *3* الشرح: قوله: (باب الإيماء على الدابة) أي للركوع والسجود لمن لم يتمكن من ذلك، وبهذا قال الجمهور، وروى أشهب عن مالك أن الذي يصلي على الدابة لا يسجد بل يومئ. الحديث: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ قَالَ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يُصَلِّي فِي السَّفَرِ عَلَى رَاحِلَتِهِ أَيْنَمَا تَوَجَّهَتْ يُومِئُ وَذَكَرَ عَبْدُ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُهُ الشرح: قوله: (حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا عبد العزيز) تقدم هذا الحديث في أبواب الوتر " باب الوتر في السفر " عن موسى هذا عن جويرية بن أسماء، فكأن لموسى فيه شيخين، فإن الراوي عن ابن عمر في ذلك مغاير لهذا، وزاد في رواية جويرية " يومئ إيماء إلا الفرائض " قال ابن دقيق العيد: الحديث يدل على الإيماء مطلقا في الركوع والسجود معا، والفقهاء قالوا: يكون الإيماء في السجود أخفض من الركوع ليكون البدل على وفق الأصل، وليس في لفظ الحديث ما يثبته ولا ينفيه. قلت: إلا أنه وقع في حديث جابر عند الترمذي كما تقدم. *3* الشرح: قوله: (باب ينزل للمكتوبة) أي لأجلها، قال ابن بطال: أجمع العلماء على اشتراط ذلك، وأنه لا يجوز لأحد أن يصلي الفريضة على الدابة من غير عذر، حاشا ما ذكر في صلاة شدة الخوف وذكر فيه حديث عامر ربيعه وقد تقدم قريبا. الحديث: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ أَنَّ عَامِرَ بْنَ رَبِيعَةَ أَخْبَرَهُ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى الرَّاحِلَةِ يُسَبِّحُ يُومِئُ بِرَأْسِهِ قِبَلَ أَيِّ وَجْهٍ تَوَجَّهَ وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ قَالَ سَالِمٌ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يُصَلِّي عَلَى دَابَّتِهِ مِنْ اللَّيْلِ وَهُوَ مُسَافِرٌ مَا يُبَالِي حَيْثُ مَا كَانَ وَجْهُهُ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَبِّحُ عَلَى الرَّاحِلَةِ قِبَلَ أَيِّ وَجْهٍ تَوَجَّهَ وَيُوتِرُ عَلَيْهَا غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي عَلَيْهَا الْمَكْتُوبَةَ الشرح: قوله: (يسبح) أي يصلي النافلة، وقد تكرر في الحديث كثيرا، وسيأتي قريبا حديث عائشة " سبحة الضحى " والتسبيح حقيقة في قول سبحان الله، فإذا أطلق على الصلاة فهو من باب إطلاق اسم البعض على الكل، أو لأن المصلي منزه لله سبحانه وتعالى بإخلاص العبادة، والتسبيح التنزيه فيكون من باب الملازمة وأما اختصاص ذلك بالنافلة فهو عرف شرعي والله أعلم. قوله: (وقال الليث) وصله الإسماعيلي بالإسنادين المذكورين قبل بباين. الحديث: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبانَ قَالَ حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ الْمَكْتُوبَةَ نَزَلَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ الشرح: قوله: (حدثنا هشام) هو الدستوائي، ويحيى هو ابن أبي كثير. قال الملهب: هذه الأحاديث تخص قوله تعالى قلت: ولم يتفق على ذلك عنه، وحجته أن هذه الأحاديث إنما وردت في أسفاره صلى الله عليه وسلم، ولم ينقل عنه أنه سافر سفرا قصيرا فصنع ذلك، وحجة الجمهور مطلق الأخبار في ذلك، واحتج الطبري للجمهور من طريق النظر أن الله تعالى جعل التيمم رخصة للمريض والمسافر، وقد أجمعوا على أن من كان خارج المصر على ميل أو أقل ونيته العود إلى منزله لا إلى سفر آخر ولم يجد ماء أنه يجوز له التيمم. وقال: فكما جاز له التيمم في هذا القدر جاز له النفل على الدابة لاشتراكهما في الرخصة ا ه وكأن السر فيما ذكر تيسير تحصيل النوافل على العباد وتكثيرها تعظيما لأجورهم رحمة من الله بهم. وقد طرد أبو يوسف ومن وافقه التوسعة في ذلك فجوزه في الحضر أيضا. وقال به من الشافعية أبو سعيد الإصطخري، واستدل بقوله " حيث كان وجهه " على أن جهة الطريق تكون بدلا عن القبلة حتى لا يجوز الانحراف عنها عامدا قاصدا لغير حاجة المسير إلا إن كان سائرا في غير جهة القبلة فانحرف إلى جهة القبلة فإن ذلك لا يضره على الصحيح، واستدل به على أن الوتر غير واجب عليه صلى الله عليه وسلم لإيقاعه إياه على الراحلة كما تقدم البحث فيه في " باب الوتر في السفر " من أبواب الوتر، واستنبط من دليل التنفل للراكب جواز التنفل للماشي، ومنعه مالك من أنه أجازه لراكب السفينة. *3* الشرح: قوله: (باب صلاة التطوع على الحمار) قال ابن رشيد مقصوده أنه لا يشترط في التطوع على الدابة أن تكون الدابة طاهرة الفضلات، بل الباب في المركوبات واحد بشرط أن لا يماس النجاسة. وقال ابن دقيق العيد: يؤخذ من هذا الحديث طهارة عرق الحمار، لأن ملابسته مع التحرز منه متعذر لا سيما إذا طال الزمان في ركوبه واحتمل العرق. الحديث: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا حَبَّانُ قَالَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ سِيرِينَ قَالَ اسْتَقْبَلْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حِينَ قَدِمَ مِنْ الشَّأْمِ فَلَقِينَاهُ بِعَيْنِ التَّمْرِ فَرَأَيْتُهُ يُصَلِّي عَلَى حِمَارٍ وَوَجْهُهُ مِنْ ذَا الْجَانِبِ يَعْنِي عَنْ يَسَارِ الْقِبْلَةِ فَقُلْتُ رَأَيْتُكَ تُصَلِّي لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ فَقَالَ لَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ لَمْ أَفْعَلْهُ رَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشرح: قوله: (حدثنا حبان) بفتح المهملة وبالموحدة هو ابن هلال. قوله: (استقبلنا أنس بن مالك) بسكون اللام. قوله: (حين قدم من الشام) كان أنس قد توجه إلى الشام يشكو من الحجاج، وقد ذكرت طرفا من ذلك في أوائل كتاب الصلاة، ووقع في رواية مسلم " حين قدم الشام " وغلطوه لأن أنس بن سيرين إنما تلقاه لما رجع من الشام فخرج ابن سيرين من البصرة ليتلقاه، ويمكن توجيهه بأن يكون المراد بقوله حين قدم الشام مجرد ذكر الوقت الذي وقع له فيه ذلك كما تقول فعلت كذا لما حججت، قال النووي: رواية مسلم صحيحة ومعناه تلقيناه في رجوعه حين قدم الشام. قوله: (فلقيناه بعين التمر) هو موضع بطريق العراق مما يلي الشام وكانت به وقعة شهيرة في آخر خلافة أبي بكر بين خالد بن الوليد والأعاجم، ووجد بها غلمانا من العرب كانوا رهنا تحت يد كسرى منهم جد الكلبي المفسر وحمران مولى عثمان وسيرين مولى أنس. قوله: (رأيتك تصلي لغير القبلة) فيه إشعار بأنه لم ينكر الصلاة على الحمار ولا غير ذلك من هيئة أنس في ذلك، وإنما أنكر عدم استقبال القبلة فقط، وفي قول أنس " لولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعله " يعني ترك استقبال القبلة للمتنفل على الدابة، وهل يؤخذ منه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على حمار؟ فيه احتمال، وقد نازع في ذلك الإسماعيلي فقال: خبر أنس إنما هو في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم راكبا تطوعا لغير القبلة، فإفراد الترجمة في الحمار من جهة السنة لا وجه له عندي ا ه. وقد روى السراج من طريق يحيى بن سعيد عن أنس أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على حمار وهو ذاهب إلى خيبر إسناده حسن، وله شاهد عند مسلم من طريق عمرو بن يحيى المازني عن سعيد بن يسار عن ابن عمر " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على حمار وهو متوجه إلى خيبر " فهذا يرجح الاحتمال الذي أشار إليه البخاري. (فائدة) : لم يبين في هذه الرواية كيفية صلاة أنس، وذكره في الموطأ عن يحيى بن سعيد قال " رأيت أنسا وهو يصلي على حمار وهو متوجه إلى غير القبلة يركع ويسجد إيماء من غير أن يضع جبهته على شيء". قوله: (ورواه إبراهيم بن طهمان عن حجاج) يعني ابن حجاج الباهلي، ولم يسق المصنف المتن ولا وقفنا عليه موصولا من طريق إبراهيم، نعم وقع عند السراج من طريق عمرو بن عامر عن الحجاج ابن الحجاج بلفظ " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي على ناقته حيث توجهت به " فعلى هذا كأن أنسا قاس الصلاة على الراحلة بالصلاة على الحمار، وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما مضى أن من صلى على موضع فيه نجاسة لا يباشرها بشيء منه أن صلاته صحيحة، لأن الدابة لا تخلو من نجاسة ولو على منفذها وفيه الرجوع إلى أفعاله كالرجوع إلى أقواله من غير عرضة للاعتراض عليه. وفيه تلقى المسافر، وسؤال التلميذ شيخه عن مستند فعله والجواب بالدليل، وفيه التلطف في السؤال، والعمل بالإشارة لقوله " من ذا الجانب". *3* الشرح: قوله: (باب من لم يتطوع في السفر دبر الصلاة) زاد الحموي في روايته " وقبلها " والأرجح رواية الأكثر لما سيأتي في الباب الذي بعده، وقد تقدم شيء من مباحث هذا الباب في أبواب الوتر، والمقصود هنا بيان أن مطلق قول ابن عمر " صحبت النبي صلى الله عليه وسلم فلم أره يسبح في السفر " أي يتنفل الرواتب التي قبل الفريضة وبعدها، وذلك مستفاد من قوله في الرواية الثانية " وكان لا يزيد في السفر على ركعتين " قال ابن دقيق العيد: وهذا اللفظ يحتمل أن يريد أن لا يزيد في عدد ركعات الفرض فيكون كناية عن نفي الإتمام، والمراد به الإخبار عن المداومة على القصر، ويحتمل أن يريد لا يزيد نفلا، ويمكن أن يريد ما هو أعم من ذلك. قلت: ويدل على هذا الثاني رواية مسلم من الوجه الثاني الذي أخرجه المصنف ولفظه: " صحبت ابن عمر في طريق مكة فصلى لنا الظهر ركعتين، ثم أقبل وأقبلنا معه حتى جاء رحله وجلسنا معه، فحانت منه التفاتة فرأى ناسا قياما فقال: ما يصنع هؤلاء؟ قلت: يسبحون. قال: لو كنت مسبحا لأتممت " فذكر المرفوع كما ساقه المصنف قال النووي: أجابوا عن قول ابن عمر هذا بأن الفريضة محتمة، فلو شرعت تامة لتحتم إتمامها، وأما النافلة فهي إلى خيرة المصلي، فطريق الرفق به أن تكون مشروعة ويخير فيها ا ه. وتعقب بأن مراد ابن عمر بقوله " لو كنت مسبحا لأتممت " يعني أنه لو كان مخيرا بين الإتمام وصلاة الراتبة لكان الإتمام أحب إليه، لكنه فهم من القصر التخفيف، فلذلك كان لا يصلي الراتبة ولا يتم. الحديث: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَّ حَفْصَ بْنَ عَاصِمٍ حَدَّثَهُ قَالَ سَافَرَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَالَ صَحِبْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ أَرَهُ يُسَبِّحُ فِي السَّفَرِ وَقَالَ اللَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ إِسْوَةٌ حَسَنَةٌ الشرح: قوله: (حدثني عمر بن محمد) هو ابن زيد بن عبد الله بن عمر، وحفص هو ابن عاصم أي ابن عمر ابن الخطاب، ويحيى شيخ مسدد هو القطان. الحديث: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عِيسَى بْنِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ لَا يَزِيدُ فِي السَّفَرِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ كَذَلِكَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ الشرح: قوله: (وأبا بكر) معطوف على قوله " صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم". قوله: (وعمر وعثمان) أي أنه (كذلك) صحبهم، وكانوا لا يزيدون في السفر على ركعتين، وفي ذكر عثمان إشكال لأنه كان في آخر أمره يتم الصلاة كما تقدم تقريبا، فيحمل على الغالب. أو المراد به أنه كان لا يتنفل في أول أمره ولا في آخره، وأنه إنما كان يتم إذا كان نازلا، وأما إذا كان سائرا فيقصر، فلذلك قيده في هذه الرواية بالسفر، وهذا أولى لما تقدم تقريره في الكلام على تأويل عثمان. *3* وَرَكَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فِي السَّفَرِ الشرح: قوله: (باب من تطوع في السفر في غير دبر الصلاة) هذا مشعر بأن نفي التطوع في السفر محمول على ما بعد الصلاة خاصة فلا يتناول ما قبلها ولا ما لا تعلق له بها من النوافل المطلقة كالتهجد والوتر والضحى وغير ذلك، والفرق بين ما قبلها وما بعدها أن التطوع قبلها لا يظن أنه منها لأنه ينفصل عنها بالإقامة وانتظار الإمام غالبا ونحو ذلك، بخلاف ما بعدها فإنه في الغالب يتصل بها فقد يظن أنه منها. (فائدة) نقل النووي تبعا لغيره أن العلماء اختلفوا في التنفل في السفر على ثلاثة أقوال: المنع مطلقا، والجواز مطلقا، والفرق بين الرواتب والمطلقة، وهو مذهب ابن عمر كما أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن مجاهد قال " صحبت ابن عمر من المدينة إلى مكة، وكان يصلي تطوعا على دابته حيثما توجهت به، فإذا كانت الفريضة نزل فصلى". وأغفلوا قولا رابعا وهو الفرق بين الليل والنهار في المطلقة، وخامسا وهو ما فرغنا من تقريره. قوله: (وركع النبي صلى الله عليه وسلم في السفر ركعتي الفجر) قلت: ورد ذلك في حديث أبي قتادة عند مسلم في قصة النوم عن صلاة الصبح ففيه " ثم صلى ركعتين قبل الصبح ثم صلى الصبح كما كان يصلي " وله من حديث أبي هريرة في هذه القصة أيضا " ثم دعا بماء فتوضأ ثم صلى سجدتين - أي ركعتين - ثم أقيمت الصلاة فصلى صلاة الغداة " الحديث. ولابن خزيمة والدار قطني من طريق سعيد بن المسيب عن بلال في هذه القصة " فأمر بلالا فأذن، ثم توضأ فصلوا ركعتين، ثم صلوا الغداة " ونحوه للدار قطني من طريق الحسن عن عمران بن حصين، قال صاحب الهدى: لم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى سنة الصلاة قبلها ولا بعدها في السفر، إلا ما كان من سنة الفجر. قلت: ويرد على إطلاقه ما رواه أبو داود والترمذي من حديث البراء بن عازب قال " سافرت مع النبي صلى الله عليه وسلم ثمانية عشر سفرا فلم أره ترك ركعتين إذا زاغت الشمس قبل الظهر " وكأنه لم يثبت عنده، لكن الترمذي استغربه ونقل عن البخاري أنه رآه حسنا، وقد حمله بعض العلماء على سنة الزوال لا على الراتبة قبل الظهر، والله أعلم. الحديث: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ مَا أَخْبَرَنَا أَحَدٌ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الضُّحَى غَيْرُ أُمِّ هَانِئٍ ذَكَرَتْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ اغْتَسَلَ فِي بَيْتِهَا فَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ فَمَا رَأَيْتُهُ صَلَّى صَلَاةً أَخَفَّ مِنْهَا غَيْرَ أَنَّهُ يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى السُّبْحَةَ بِاللَّيْلِ فِي السَّفَرِ عَلَى ظَهْرِ رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ الشرح: قوله: (ما أخبرنا أحد أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم صلى الضحى غير أم هانئ) هذا لا يدل على نفي الوقوع، لأن عبد الرحمن بن أبي ليلى إنما نفى ذلك عن نفسه، وأما قول ابن بطال: لا حجة في قول ابن أبي ليلى، وترد عليه الأحاديث الواردة في أنه صلى الضحى وأمر بها، ثم ذكر منها جملة، فلا يرد على ابن أبي ليلى شيء منها، وسيأتي الكلام على صلاة الضحى في باب مفرد في أبواب التطوع، والمقصود هنا أنه صلى الله عليه وسلم صلاها يوم فتح مكة، وقد تقدم في حديث ابن عباس أنه كان حينئذ يقصر الصلاة المكتوبة، وكان حكمه حكم المسافر. قوله: (وقال الليث حدثني يونس) قد تقدم قبل ببابين موصولا من رواية الليث عن عقيل، ولكن لفظ الروايتين مختلف، ورواية يونس هذه وصلها الذهلي في الزهريات عن أبي صالح عنه. الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسَبِّحُ عَلَى ظَهْرِ رَاحِلَتِهِ حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ يُومِئُ بِرَأْسِهِ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ الشرح: قوله: (يومئ برأسه) هو تفسير لقوله " يسبح " أي يصلي إيماء، وقد تقدم في " باب الإيماء على الدابة " من وجه آخر عن ابن عمر، لكن هناك ذكره موقوفا ثم عقبه بالمرفوع، وهذا ذكر مرفوعا ثم عقبه بالموقوف، وفائدة ذلك مع أن الحجة قائمة بالمرفوع أن يبين أن العمل استمر على ذلك ولم يتطرق إليه نسخ ولا معارض ولا راجح، وقد اشتملت أحاديث الباب على أنواع ما يتطوع به سوى الراتبة التي بعد المكتوبة، فالأول لما قبل المكتوبة، والثاني لما له وقت مخصوص من النوافل كالضحى، والثالث لصلاة الليل، والرابع لمطلق النوافل. وقد جمع ابن بطال بين ما اختلف عن ابن عمر في ذلك بأنه كان يمنع التنفل على الأرض ويقول به على الدابة. وقال النووي تبعا لغيره: لعل النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الرواتب في رحله ولا يراه ابن عمر، أو لعله تركها في بعض الأوقات لبيان الجواز ا ه. وما جمعنا به تبعا للبخاري فيما يظهر أظهر، والله أعلم. *3* الشرح: قوله: (باب الجمع في السفر بين المغرب والعشاء) أورد فيه ثلاثة أحاديث: حديث ابن عمر وهو مقيد بما إذا جد السير، وحديث ابن عباس وهو مقيد بما إذا كان سائرا، وحديث أنس وهو مطلق. واستعمل المصنف الترجمة مطلقة إشارة إلى العمل بالمطلق لأن المقيد فرد من أفراده، وكأنه رأى جواز الجمع بالسفر سواء كان سائرا أم لا، وسواء كان سيره مجدا أم لا، وهذا مما وقع فيه الاختلاف بين أهل العلم، فقال بالإطلاق كثير من الصحابة والتابعين ومن الفقهاء الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وأشهب. وقال قوم: لا يجوز الجمع مطلقا إلا بعرفة ومزدلفة وهو قول الحسن والنخعي وأبي حنيفة وصاحبيه، ووقع عند النووي أن الصاحبين خالفه شيخهما، ورد عليه السروجي في شرح الهداية وهو أعرف بمذهبه، وسيأتي الكلام على الجمع بعرفة في كتاب الحج إن شاء الله تعالى. وأجابوا عما ورد من الأخبار في ذلك بأن الذي وقع جمع صوري، وهو أنه أخر المغرب مثلا إلى آخر وقتها وعجل العشاء في أول وقتها. وتعقبه الخطابي وغيره بأن الجمع رخصة، فلو كان على ما ذكروه لكان أعظم ضيقا من الإتيان بكل صلاة في وقتها، لأن أوائل الأوقات وأواخرها مما لا يدركه أكثر الخاصة فضلا عن العامة. ومن الدليل على أن الجمع رخصة قول ابن عباس " أراد أن لا يحرج أمته " أخرجه مسلم، وأيضا فإن الأخبار جاءت صريحة بالجمع في وقت إحدى الصلاتين كما سيأتي في الباب الذي يليه، وذلك هو المتبادر إلى الفهم من لفظ الجمع، ومما يرد الحمل على الجمع الصوري جمع التقديم الآتي ذكره بعد باب، وقيل يختص الجمع بمن يجد في السير. قاله الليث، وهو القول المشهور عن مالك، وقيل يختص بالمسافر دون النازل وهو قول ابن حبيب، وقيل يختص بمن له عذر حكى عن الأوزاعي، وقيل يجوز جمع التأخير دون التقديم وهو مروي عن مالك وأحمد واختاره ابن حزم. (تنبيه) : أورد المصنف في أبواب التقصير أبواب الجمع لأنه تقصير بالنسبة إلى الزمان، ثم أبواب صلاة المعذور قاعدا لأنه تقصير بالنسبة إلى بعض صور الأفعال، ويجمع الجميع الرخصة للمعذور. الحديث: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْمَعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ إِذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ الْحُسَيْنِ الْمُعَلِّمِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْمَعُ بَيْنَ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ إِذَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ سَيْرٍ وَيَجْمَعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَعَنْ حُسَيْنٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ حَفْصِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْمَعُ بَيْنَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي السَّفَرِ وَتَابَعَهُ عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ وَحَرْبٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ حَفْصٍ عَنْ أَنَسٍ جَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشرح: قوله في حديث ابن عمر (جد به السير) أي اشتد. قاله صاحب المحكم. وقال عياض: جد به السير أسرع، كذا قال: وكأنه نسب الإسراع إلى السير توسعا. قوله: (وقال إبراهيم بن طهمان) وصله البيهقي من طريق محمد بن عبدوس عن أحمد بن حفص النيسابوري عن أبيه عن إبراهيم المذكور بسنده المذكور ابن عباس بلفظه. قوله: (على ظهر سير) كذا للأكثر بالإضافة. وفي رواية الكشميهني " على ظهر " بالتنوين " يسير " بلفظ المضارع بتحتانية مفتوحة في أوله، قال الطيبي: الظهر في قوله " ظهر سير " للتأكيد كقوله الصدقة عن ظهر غنى، ولفظ الظهر يقع في مثل هذا اتساعا للكلام كأن السير كان مستندا إلى ظهر قوي من المطى مثلا. وقال غيره: حصل للسير ظهر لأن الراكب ما دام سائرا فكأنه راكب ظهر. قلت: وفيه جناس التحريف بين الظهر والظهر، واستدل به على جواز جمع التأخير، وأما جمع التقديم فسيأتي الكلام عليه بعد باب. قوله: (وعن حسين) هو معطوف على الذي قبله والتقدير: وقال إبراهيم ابن طهمان عن حسين عن يحيى عن حفص، وبذلك جزم أبو نعيم في المستخرج، ويحتمل أن يكون علقه عن حسين لا بقيد من رواية إبراهيم بن طهمان عنه. قوله: (تابعه على بن المبارك وحرب) أي ابن شداد (عن يحيى) هو ابن أبي كثير (عن حفص) أي تابعا حسينا فأما متابعة علي بن المبارك فوصلها أبو نعيم في المستخرج من طريق عثمان بن عمر بن فارس عنه، وأما متابعة حرب فوصلها المصنف في آخر الباب الذي بعده، وقد تابعهم معمر عند أحمد وأبان بن يزيد عند الطحاوي كلاهما عن يحيى بن أبي كثير. *3* الشرح: قوله: (باب هل يؤذن أو يقيم إذا جمع بين المغرب والعشاء) ؟ قال ابن رشيد: ليس في حديثي الباب تنصيص على الأذان، لكن في حديث ابن عمر منهما " يقيم المغرب فيصليها " ولم يرد بالإقامة نفس الأذان وإنما أراد يقيم للمغرب، فعلى هذا فكأن مراده بالترجمة: هل يؤذن أو يقتصر على الإقامة، وجعل حديث أنس مفسرا بحديث ابن عمر، لأن في حديث ابن عمر حكما زائدا ا ه. ولعل المصنف أشار بذلك إلى ما ورد في بعض طرق حديث ابن عمر، ففي الدار قطني من طريق عمر بن محمد بن زيد عن نافع عن ابن عمر في قصة جمعه المغرب والعشاء " فنزل فأقام الصلاة، وكان لا ينادي بشيء من الصلاة في السفر، فقام فجمع بين المغرب والعشاء ثم رفع " الحديث. وقال الكرماني: لعل الزاوي لما أطلق لفظ الصلاة استفيد منه أن المراد بها التامة بأركانها وشرائطها وسننها ومن جملتها الأذان والإقامة، وسبقه ابن بطال إلى نحو ذلك. الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سَالِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ فِي السَّفَرِ يُؤَخِّرُ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ قَالَ سَالِمٌ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَفْعَلُهُ إِذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ وَيُقِيمُ الْمَغْرِبَ فَيُصَلِّيهَا ثَلَاثًا ثُمَّ يُسَلِّمُ ثُمَّ قَلَّمَا يَلْبَثُ حَتَّى يُقِيمَ الْعِشَاءَ فَيُصَلِّيهَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يُسَلِّمُ وَلَا يُسَبِّحُ بَيْنَهُمَا بِرَكْعَةٍ وَلَا بَعْدَ الْعِشَاءِ بِسَجْدَةٍ حَتَّى يَقُومَ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ الشرح: قوله: (يؤخر صلاة المغرب) لم يعين غاية التأخير، وبينه مسلم من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر بأنه بعد أن يغيب الشفق. وفي رواية عبد الرزاق عن معمر عن أيوب وموسى بن عقبة عن نافع " فأخر المغرب بعد ذهاب الشفق حتى ذهب هوى من الليل " وللمصنف في الجهاد من طريق أسلم مولى عمر عن ابن عمر في هذه القصة " حتى كان بعد غروب الشفق نزل فصلى المغرب والعشاء جمعا بينهما " ولأبي داود من طريق ربيعة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر في هذه القصة " فصار حتى غاب الشفق وتصوبت النجوم نزل فصلى الصلاتين جمعا " وجاءت عن ابن عمر روايات أخرى " أنه صلى المغرب في آخر الشفق، ثم أقام الصلاة وقد توارى الشفق، فصلى العشاء " أخرجه أبو داود من طريق عبد الرحمن ابن يزيد بن جابر عن نافع، ولا تعارض بينه وبين ما سبق لأنه كان في واقعة أخرى. قوله: (ثم قلما يلبث حتى يقيم العشاء) فيه إثبات للبث قليل، وذلك نحو ما وقع في الجمع بمزدلفة من إناخة الرواحل، ويدل عليه ما تقدم من الطرق التي فيها جمع بينهما وصلاهما جميعا، وفيه حجة على من حمل أحاديث الجمع على الجمع الصوري، قال إمام الحرمين: ثبت في الجمع أحاديث نصوص لا يتطرق إليها تأويل، ودليله من حيث المعنى الاستنباط من الجمع بعرفة ومزدلفة، فإن سببه احتياج الحاج إليه لاشتغالهم بمناسكهم، وهذا المعنى موجود في كل الأسفار ولم تتقيد الرخص كالقصر والفطر بالنسك، إلى أن قال: ولا يخفى على منصف أن الجمع أرفق من القصر، فإن القائم إلى الصلاة لا يشق عليه ركعتان يضمهما إلى ركعتيه، ورفق الجمع واضح لمشقة النزول على المسافر، واحتج به من قال باختصاص الجمع لمن جد به السير، وسيأتي ذلك في الباب الذي بعده. الحديث: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا حَرْبٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ يَعْنِي الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ الشرح: قوله: (حدثنا إسحاق) هو ابن راهويه كما جزم به أبو نعيم في المستخرج، ومال أبو علي الجياني إلى أنه إسحاق بن منصور، وقد تقدم الكلام على حديث أنس في الباب الذي قبله. *3* فِيهِ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشرح: قوله: (باب يؤخر الظهر إلى العصر إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس) في هذا إشارة إلى أن جمع التأخير عند المصنف يختص بمن ارتحل قبل أن يدخل وقت الظهر. قوله: (فيه ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم) يشير إلى حديثه الماضي قبل باب، فإنه قيد الجمع فيه بما إذا كان على ظهر السير، ولا قائل بأنه يصليهما وهو راكب فتعين أن المراد به جمع التأخير، ويؤيده رواية يحيى بن عبد الحميد الحماني في مسنده من طريق مقسم عن ابن عباس ففيها التصريح بذلك وإن كان في إسناده مقال، لكنه يصلح للمتابعة. الحديث: حَدَّثَنَا حَسَّانُ الْوَاسِطِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا الْمُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى وَقْتِ الْعَصْرِ ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَإِذَا زَاغَتْ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ الشرح: قوله: (حدثنا حسان الواسطي) هو ابن عبد الله بن سهل الكندي المصري، كان أبوه واسطيا فقدم مصر فولد بها حسان المذكور واستمر بها إلى أن مات.قوله: (حدثنا المفضل بن فضالة) بفتح الفاء بعدها معجمة خفيفة، من ثقات المصريين. وفي الرواة حسان الواسطي آخر لكنه حسان بن حسان يروي عن شعبة وغيره ضعفه الدار قطني، ووهم بعض الناس فزعم أنه شيخ البخاري هنا وليس كذلك فإنه ليست له رواية عن المصريين. قوله: (تزيغ) بزاي ومعجمة أي تميل، وزاغت مالت، وذلك إذا قام الفيء. قوله: (ثم يجمع بينهما) أي في وقت العصر. وفي رواية قتيبة عن المفضل في الباب الذي بعده " ثم نزل فجمع بينهما " ولمسلم من رواية جابر بن إسماعيل عن عقيل " يؤخر الظهر إلى وقت العصر فيجمع بينهما، ويؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء حين يغيب الشفق"، وله من رواية شبابة عن عقيل: " حتى يدخل أول وقت العصر، ثم يجمع بينهما". قوله: (إذا زاغت) أي قبل أن يرتحل كما سيأتي الكلام عليه في الباب الذي بعده. *3* الشرح: قوله: (باب إذا ارتحل بعدما زاغت الشمس صلى الظهر ثم ركب) أورد فيه حديث أنس المذكور قبله وفيه " فإذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب " كذا فيه الظهر فقط، وهو المحفوظ عن عقيل في الكتب المشهورة، ومقتضاه أنه كان لا يجمع ين الصلاتين إلا في وقت الثانية منهما، وبه احتج من أبي جمع التقديم كما تقدم، ولكن روى إسحاق بن راهويه هذا الحديث عن شبابة فقال " كان إذا كان في سفر فزالت الشمس صلى الظهر والعصر جميعا ثم ارتحل " أخرجه الإسماعيلي، وأعل بتفرد إسحاق بذلك عن شبابة ثم تفرد جعفر الفريابي به عن إسحاق، وليس ذلك بقادح فإنهما إمامان حافظان. وقد وقع نظيره في " الأربعين " للحاكم قال " حدثنا محمد بن يعقوب هو الأصم حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني هو أحد شيوخ مسلم قال حدثنا محمد بن عبد الله الواسطي " فذكر الحديث وفيه " فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر والعصر ثم ركب " قال الحافظ صلاح الدين العلائي: هكذا وجدته بعد التتبع في نسخ كثيرة من الأربعين بزيادة العصر، وسند هذه الزيادة جيد. انتهى. قلت: وهي متابعة قوية لرواية إسحاق بن راهويه إن كانت ثابتة، لكن في ثبوتها نظر، لأن البيهقي أخرج هذا الحديث عن الحاكم بهذا الإسناد مقرونا برواية أبي داود عن قتيبة وقال: إن لفظهما سواء، إلا أن في رواية قتيبة " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم " وفي رواية حسان " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " والمشهور في جمع التقديم ما أخرجه أبو داود والترمذي وأحمد وابن حبان من طريق الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطويل عن من معاذ بن جبل، وقد أعله جماعة من أئمة الحديث بتفرد قتيبة عن الليث، وأشار البخاري إلى أن بعض الضعفاء أدخله على قتيبة، حكاه الحاكم في " علوم الحديث"، وله طريق أخرى عن معاذ بن جبل أخرجها أبو داود من رواية هشام بن سعد عن أبي الزبير عن أبي الطفيل، وهشام مختلف فيه وقد خالفه الحفاظ من أصحاب أبي الزبير كمالك والثوري وقرة بن خالد وغيرهم فلم يذكروا في روايتهم جمع التقدم، وورد في جمع التقديم حديث آخر عن ابن عباس أخرجه أحمد وذكره أبو داود تعليقا والترمذي في بعض الروايات عنه وفي إسناده حسين بن عبد الله الهاشمي وهو ضعيف، لكن له شواهد من طريق حماد عن أيوب عن أبي قلابة عن ابن عباس لا أعلمه إلا مرفوعا " أنه كان إذا نزل منزلا في السفر فأعجبه أقام فيه حتى يجمع بين الظهر والعصر ثم يرتحل، فإذا لم يتهيأ له المنزل مد في السير فسار حتى ينزل فيجمع بين الظهر والعصر " أخرجه البيهقي ورجاله ثقات، إلا أنه مشكوك في رفعه، والمحفوظ أنه موقوف. وقد أخرجه البيهقي من وجه آخر مجزوما بوقفه على ابن عباس ولفظه " إذا كنتم سائرين " فذكر نحوه. وفي حديث أنس استحباب التفرقة في حال الجمع بين ما إذا كان سائرا أو نازلا، وقد استدل به على اختصاص الجمع بمن جد به السير، لكن وقع التصريح في حديث معاذ بن جبل في الموطأ ولفظه " أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر الصلاة في غزوة تبوك، ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعا، ثم دخل، ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جمعا". قال الشافعي في " الأم". قوله "دخل ثم خرج " لا يكون إلا وهو نازل، فللمسافر أن يجمع نازلا ومسافرا. وقال ابن عبد البر: في هذا أوضح دليل على الرد على من قال لا يجمع إلا من جد به السير، وهو قاطع للالتباس. انتهى. وحكى عياض أن بعضهم أول قوله " ثم دخل " أي في الطريق مسافرا " ثم خرج " أي عن الطريق للصلاة، ثم استبعده، ولا شك في بعده، وكأنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك لبيان الجواز، وكان أكثر عادته ما دل عليه حديث أنس والله أعلم. ومن ثم قال الشافعية: ترك الجمع أفضل وعن مالك رواية أنه مكروه، وفي هذه الأحاديث تخصيص لحديث الأوقات التي بينها جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم وبينها النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي حيث قال في آخرها " الوقت ما بين هذين " وقد تقدمت الإشارة إليه في المواقيت (تنبيه) : تقدم الكلام على الجمع بين الصلاتين بعذر المطر أو المرض أو الحاجة في الحضر في المواقيت في " باب وقت الظهر " وفي " باب وقت المغرب".
|